تسجيل الدخول

تسجيل الدخول إلى حسابك

اسم المستخدم *
كلمة السر *
تذكرني

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 التصويت 4.50 (2 أصوات)
 السنوات المجهولة من حياة المسيح 
لقد كتب في أسفار العهد الجديد عن حياة المسيح، في إنجيل متى نجد في الاصحاحين الأولين قصة ميلاده ( متى ١، ٢) ، و مجئ المجوس من الشرق و سجودهم له ( متى ٢: ١-١٢) ، ثم قرار هيرودس بقتل أطفال بيت لحم، و هروب يوسف و مريم و الطفل يسوع إلى مصر، ثم العودة إلى الناصرة بعد موت هيرودس ( متى ٢: ١٤- ٢٧ ) . 
و في إنجيل لوقا نجد قصة الميلاد و الختان ( لوقا ٢: ٢١ ) ، و العودة إلي الناصرة ( لوقا ٢: ٣٩- ٥١) ، و حوار المسيح مع الكهنة في الهيكل عندما كان في الثانية عشرة من عمره ( لوقا ٢: ٤٦ - ٤٧ )، ثم بدء كرازته و عمره نحو ثلاثين سنة ( لوقا ٣: ٢٣ ).
أما بقية أسفار العهد الجديد. فلم تسجل لنا شيئاً عن طفولية المسيح، و الفترة من الثانية عشرة حتى الثلاثين من عمره، و هنا يتسأل البعض لماذا صمت الكتاب المقدس عن هذه الفترة ؟ و الجواب : أن كتبة أسفار العهد الجديد لم يكن هدفهم أن يسجلوا لنا قصة كاملة عن تفاصيل حياة المسيح، لذلك لم يدونوا سيرة شخصية للمسيح بمفهوم اليوم و لكن كان هدفهم أن يقدموا لنا المسيح المخلص، الذي جاء ليموت فداءً عن البشرية.
و ما ذكروه من تفاصيل تتعلق بحياة المسيح الانسانية على الأرض كان له علاقة بهذا الهدف وقد إستغل بعد الأشخاص ذي الخيال الجامح ، و لأهداف لها مراميها غير البحث عن الحقيقة هذا و نادوا بمزاعم خيالية حول أين قضى المسيح الفترة من الثانية عشرة إلى الثلاثين من عمره، و مما قالوه :
١- أن المسيح ذهب إلى الهند، و قضى هذه الفترة في أحد الأديرة البوذية و هناك كتب الإنجيل ، و من إبتدع هذه النظرية هو الكاتب الروسي " نقولا نوتوفيتش" في كتابه " حياة المسيح المجهولة " سنة ١٨٩٤ م. و هذه المقولة غير صحيحة لأنه :
- لا يوجد أي كتاب هندي ما يؤيدها.
- الكتابات اليهودية لا تثبتها، فقد جاء في أسفار العهد القديم أكثر من ٣٠٠ نبوة عن المسيح، و لم يأت في أي نبوة ذكر لهذه الرحلة المزعومة، و لم يذكرها التلمود أو المؤرخين اليهود مثل يوسيفوس.
- كتبة أسفار العهد الجديد لم يذكروا لنا ذلك ، ولو كان المسيح قد ذهب إلى هناك فما الذي يمنعهم من ذكر ذلك ، وقد ذكر لنا البشير متى ذهاب المسيح إلى مصر، فلماذا ذكر هذا و أهمل تلك ؟
- و السؤال الأهم ما الذي يدعو المسيح للذهاب إلى الهند ؟ هل كانت تعوزه حكمة أو تنقصه معرفة ، و هو عندما كان في لثانية عشرة حاور معلمي اليهود " فبهتوا من فهمه و أجوبته " ( لوقا ٢: ٤٧ ). هل يحتاج المسيح اليهودي التقي أن يعرف الله من البوذي أو غيرها من الطوائف الهندية ؟ . و إن كان المسيح قد ذهب إلى هناك فلماذا لم يظهر أي أثر للفكر و الديانات الهندية في أقواله و تعاليمه ؟ لماذا لم يذكر أي شيء عن بوذا و كرشنا و فشنو ؟ لماذا لم يتحدث عن الكرما و النيرفانا و هما من أهم العقائد الهندوسية ؟ هل هناك من دليل على أن المسيح كان يعرف لغات الهند ؟!
- إن تفاصيل حياة المسيح كانت معروفة لليهود، و عندما بدأ كرازته رفضه بعضهم و اتهموه بأفظع الاتهامات و قالوا : أن به شيطان ، و أنه سامري ( يوحنا ٨: ٤٨ ) و اتهموه كثيراً بأنه يجدف ( يوحنا ١٠: ٣١-٣٣) ، فلو كان المسيح قد ذهب إلى الهند ، لكن هذا موضع إتهام، لأن اليهود متعصبون لديانتهم، محتقرون لغيرهم من الأمم. 
- يرى أصحاب هذا الزعم أن المسيح اقتبس من التعاليم الهندية بعد التعاليم مثل :
الثالوث ، التجسد ، الفداء .. و غيرها ،  وهذا غير صحيح ، فأي تشابه جاء في الكتابات الهندية المتأخرة التي كتبت بعد دخول المسيحية إلى الهند ، و لا سيما أن المسيحية عرفت طريقها إلى الهند في زمن مبكر على يد توما، و ما زالت الكنيسة التي يطلق عليها " مار توما " موجودة في الهند حتى اليوم. 
ثانياً : يزعم البعض الآخر أن المسيح قضى هذه الفترة متتلمذاً على ياد الأسينيين في وادي قمران بالقرب من البحر الميت .
فمن هم الاسينيون ؟ و ما حقيقة علاقة المسيح بهم ؟
الاسينيون طائفة يهودية متزمتة نشأت في القرن الثاني قبل الميلاد ، في فترة حكم المكابيين ، و قد نشأت هذه الطائفة نتيجة صراع ديني مع زعماء المكابيون حول منصب رئيس الكهنة ، فاعتزلوا في الصحراء ، وقد وصلنا بعد المعلومات عنهم من خلال المؤرخ يوسيفوس ، و المؤرخ الروماني بليني ، و لكن المعرفة الكاملة عنهم جأت من خلال إكتشاف وثائقهم " مخطوطات وادي قمران "  و التي تمت سنة ١٩٤٧ م و ما بعدها. 
لقد عاش الاسينيون كجماعة منعزلة، وضعت شروط خاصة للإنضمام اليهم. و كانت لهم عبادتهم اليومية، و طقوسهم  الخاصه بالتطهير ، و اعتبروا أنفسهم البقية التقية ، وفرضوا عقوبات قاسية على من يخالف قوانين الجماعة.
و تطرفوا في وصية حفظ يوم السبت و العلاقة بالهيكل في القدس، و نظرتهم إلى الآخرين .
و لا يمكن أن يكون المسيح واحداً منهم او متتلمذاً على أيديهم، فالمسيح لم يدعو للإنفصال عن المجتمع و العيش في عزلة في الصحراء، بل دعى أتباعه أن يكونوا ملح الأرض و نور العالم ( متى ٥: ١٣-١٦) و طلب من الآب أن يحفظهم من الشرير وهم في هذا العالم ( يوحنا ١٧: ١٥) أن دعوة المسيح لم يكن لها أي شروط غير الايمان( لوقا ٦: ٣٧) ، و تعاليمه ليست متزمتة أو متطرفة و هذا ما نراه في تعاليمه بخصوص السبت أن السبت خلق لأجل الانسان ( مرقس ٢: ٢٧ - ٢٨ )، و كانت له علاقته بالهيكل ، فقد ذهب إليه طفلاً، و كان فيه معلماً ( متى ٢٦ :٥٥ ). و يظهر التناقض الواضح بين المسيح و الأسينيين في الموقف من المرأة ، فأنهم كانوا يرون أن النساء خطر شديد على دعوتهم ، و لكن المسيح قدم الدعوة للنساء ، وكن تلميذات له، و أول من ظهر له المسيح بعد قيامته كانت مريم المجدلية. 
لقد كان الاسينيون يعتبرون أنفسهم أفضل من الجميع فهم أولاد النور، و الآخرين أولاد الظلمة، و دعوا لمحبة جماعتهم فقط، أما المسيح فقد دعا لمحبة الجميح حتى الأعداء ( متى ٥: ٤٣، ٤٤).
من هذا يتأكد لنا أن المسيح لم يقض هذه الفترة من عمره متتلمذاً على يد الأسينيين في وادي قمران كما يزعمون. 
ثالثاً : أما أحدث المزاعم فهو ما نادى به " مايكل بجنت" - كاتب إنجليزي- في كتابة " صحف المسيح" حيث ادعى أن المسيح قد جاء إلى مصر، و عاش فترة في منطقة " تل اليهودية " بالقرب من شبين القناطر بالقليوبية، حيث يوجد معبد يهودي بناه " اونياس" ، و هناك درس و تعلم العقائد اليهودية، ثم بعد ذلك ذهب إلى مكان بالقرب من بحيرة مريوط ، جنوب غرب الاسكندرية، و عاش فترة مع إحدى الطوائف اليهودية الباطنية التي تدعى " الثيرابيوني" أي الشفائيين و في هذا الأدعاء مزج بيجنت بين الحقيقة و الخيال و اخترع نظرية أغرب من الخيال فوجود معبد اونياس في تل اليهودية بالقرب من شبين القناطر حقيقة تاريخية، فقد سمح بطليموس السادس لاونياس الرابع ببناء هذا المعبد في هذا المكان ، و لكن مجئ المسيح إلى هذا المعبد زعم كاذب و ليس هناك أي دليل عليه ، لم يذكره كتبة الإنجيل أو أي مرجع تاريخي آخر، و أيضاً طائفة " الثيرابيوني" ذكرها فيلون في كتابه " الحياة التأملية"، و ذكرها المؤرخ الكنسي يوسابيوس في كتابه " تاريخ الكنيسة"، و مما كتباه نعرف أنها جماعة يهودية متصوفة تأثرت كثيراً بالفلسفة اليونانية و الفيثاغورية ، الديانة المصرية القديمة حتى قيل أنهم كانوا يعبدون الاله رع، و ليس هناك أي دليل على ذهاب المسيح إلى هناك ، فلم تكون دعوة المسيح للانعزال و التقشف وعدم مخالطة الآخرين ، لقد كانت هذه الجماعة جماعة الصفوة، و لكن دعوة المسيح كانت للجميع. 
 
إذا فالادعاءات بأن المسيح ذهب للهند، أو تتلمذ على يد الأسينيين في وادي قمران أو إنضم لطائفة الثيرابيوني في مصر كلها مزاعم كاذبة واقوال مرسلة لا دليل عليها و لكن يبقى السؤال : أين قضى المسيح هذه الفترة من عمره ؟ و الجواب الأكيد نجده في الكرب المقدس، فالمسيح قضى هذه الفترة من عمره في الناصرة في فلسطين و الدليل على ذلك :
- إلى الناصرة جاء الملاك جبرائيل مبشراً العذراء مريم بولادة المسيح ( لوقا ١: ٢٦-٢٧ ).
- إلى الناصرة رجع المسيح مع يوسف و مريم بعد عودتهم من مصر "  وَسَكَنَ فِي بَلْدَةٍ اسْمُها النّاصِرَةُ. حَدَثَ هَذا لِيَتِمَّ ما قالَهُ الأنبِياءُ بِأنَّ المَسِيحَ سَيُدْعَى ناصِرِيّاً." ( متى ٢: ٢٣ ).
- في الناصرة قضى المسيح الفترة السابقة لبدء خدمته العلنية " وَبَعدَ أنْ أكمَلُوا كُلَّ ما تَنُصُّ عَلَيْهِ شَرِيعَةُ الرَّبِّ، عادُوا إلَى بَلدَتِهِمُ النّاصِرَةَ.وَاستَمَرَّ الطِّفلُ يَنمُو وَيَتَقَوَّى مُمتَلِئاً بِالحِكْمَةِ، .....ثُمَّ رَجِعَ مَعَهُما إلَى النّاصِرَةِ، وَعاشَ تَحتَ سُلطَتِهِما. " ( لوقا ٢: ٣٩- ٥١).
- في مجمع الناصرة، كان المسيح يمارس العبادة " ثُمَّ ذَهَبَ يَسُوعُ إلَى النّاصِرَةِ حَيثُ نَشَأ. وَفِي يَومِ السَّبْتِ ذَهَبَ إلَى المَجمَعِ كَعادَتِهِ، وَوَقَفَ لِيَقْرَأ." ( لوقا ٤: ١٦).
- لقد عرف بين الجميع أنه من الناصرة، و أطلق عليه إسم " يسوع الناصري" نسبة إلي الناصرة حيث عاش، قال فيلبس لنثنائيل : " «لَقَدْ وَجَدْنا الرَّجُلَ الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي كُتُبِ الشَّرِيْعَةِ، وَالَّذِي كَتَبَ عَنْهُ الأنبِياءُ! هُوَ يَسُوعُ بْنُ يُوسُفَ مِنْ مَدِيْنَةِ النّاصِرَةِ.»" ( يوحنا ١ : ٤٥).
إذاً فالمسيح يسوع قضى الفترة من الثانية عشرة إلى الثلاثين من عمره في الناصرة بفلسطين و لم يذهب إلي أي مكان خارج فلسطين كما يدعون.
 
بقلم الدكتور فريز صموئيل
الردود (0)
ليس هنالك ردود على هذا المقال بعد.
زائر
ردك
يمكن إدخال استبيان ليظهر في موضوعك.
Vote Options
Captcha
To protect the site from bots and unauthorized scripts, we require that you enter the captcha codes below before posting your question.